الأخلاق الإسلامية: الحل الشامل لمعضلات الفلسفة الأخلاقية

الأخلاق الإسلامية: الحل الشامل لمعضلات الفلسفة الأخلاقية

 

الأخلاق الإسلامية: الحل الشامل لمعضلات الفلسفة الأخلاقية

 الأخلاق الإسلامية: الحل الشامل لمعضلات الفلسفة الأخلاقية

البرهان الأخلاقي: معضلة الأخلاق بدون إله -تحليل فلسفي-

بعد رحلة فكرية استغرقت ثلاثة محطات أساسية؛ بدءًا بتفكيك الأسس الفلسفية للأخلاق المادية، مرورًا بنقض التبريرات الإلحادية، ووصولًا إلى دحض أشهر الشبهات، نصل اليوم إلى الذروة المنطقية للسلسلة: الرؤية الإسلامية الشاملة للأخلاق - حيث تتحول النظرية إلى تطبيق، والبرهان إلى واقع ملموس.

في هذا المقال الختامي سنكشف:

- النسق المتكامل للأخلاق الإسلامية (فطرة + وحي + عقل) الذي يحل جميع الإشكالات السابقة.

- النموذج التطبيقي الفريد من خلال السيرة النبوية والتراث الإسلامي.

- الصياغة النهائية للبرهان الأخلاقي في نقاط واضحة لا تقبل الجدل.

❂ الأخلاق الإسلامية:

بعد أن نقدنا المذاهب والتبريرات المختلفة المفسرة للأخلاق الإنسانية، وأوضحنا كيف أن كل هذه المذاهب عاجزة عن تبرير الموقف الأخلاقي لدى البشر، حان الوقت لعرض التبرير الديني للأخلاق.  

١. الأخلاق الإسلامية حيث الوجود:

أثبتناه خلال المقالات السابقة أن الأخلاق مصدرها الفطرة، وهي ما تحدد طرفي الخير والشر وبعض الأفعال لا كلها. والدين جاء ليفصل إجمال الفطرة، فالفطرة تقول بحسن طاعة الوالدين، ولكنها لا تحدد إلى أي درجة تكون هذه الطاعة. فيأتي الدين مفصِّلًا للإجمال، ويقول بطاعتهم طالما أن ذلك لا يسبب ضررًا شخصيًّا لي، فلا ضرر ولا ضرار، مع إمكانية عدم الانصياع لأوامرهم إن كان أمرًا شخصيًّا مثل تناول نوع معين من الطعام.  

٢. الأخلاق الإسلامية من حيث المرجعية:

فمرجعية الأخلاق الإسلامية هي الله، سواء إجمالًا بالفطرة أو تفصيلًا بالشرع.  

٣. الأخلاق الإسلامية من حيث الإلزام:

فهو بسبب أكثر من أمر، مثل أن يكون شعور وجوب الالتزام بها حبًّا لله، واهب هذه الأخلاق أصلًا، أو بسبب صوت الفطرة، أو بسبب نصوص الشرع.  


فالأخلاق دليل على وجود الخالق. يقول عزت بيجوفيتش:

"كظاهرة واقعية في الحياة الإنسانية، لا يمكن تفسيرها تفسيرًا عقليًّا، ولعل في هذا الحجة الأولى والعملية للدين. فالسلوك الأخلاقي إما أنه لا معنى له، وإما أنه له معنى في وجود الله، وليس هناك اختيار ثالث. فإما أن نسقط الأخلاق باعتبارها كومة من التعصبات، أو أن نُدخل في المعادلة قيمة يمكن أن نسميها الخلود. فإذا توافر شرط الحياة الخالدة، وأن هناك عالمًا آخر غير هذا العالم، وأن الله موجود، بذلك يكون سلوك الإنسان الأخلاقي له معنى وله مبرر."


❂ شمولية الأخلاق الإسلامية:  

❁ طبيعة الأخلاق الإسلامية:

هي قائمة على جميع مناحي حياة الإنسان، فهي تشمل العبادات الفردية والمعاملات الجماعية، ولا تفرق بينهما، حتى إن كل عبادة لله لها أصل أخلاقي يجب أن ينعكس في تعاملك مع الناس.  

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾  

ويقول أيضًا في كتابه الحكيم: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾  

فمهمة الرسول هي تزكية النفس وتعليم الدين، وقد سبق الله تعليم الأخلاق على تعليم الدين والعبادات.  

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خُلُقًا".  

حتى إن الأخلاق سبب في دخول الجنة مع الإيمان فقط، وإن قل العمل الصالح والعبادات. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"إن رجلًا لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا. فلما هلك، قال الله عز وجل له: هل عملت خيرًا قط؟ قال: لا! إلا أنه كان لي غلام، وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله يتجاوز عنا. قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك."  


❁ الأخلاق الإسلامية والتعامل مع جميع المخلوقات:

الأخلاق الإسلامية لا تقتصر على التعامل مع الإنسان فقط، بل حتى مع الحيوانات والطبيعة. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن امرأة بغيًّا رأت كلبًا في يوم حار، يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها، فغُفر لها."  


❁ النموذج التطبيقي للأخلاق الإسلامية:

إن خير ممثل لكل تلك النصوص وباقي النصوص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما سُئلت أمنا عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: "كان خُلُقه القرآن." ولمعرفة أخلاقه، يمكن قراءة سيرته صلى الله عليه وسلم.  


❂ الميزة الأساسية في الأخلاق الإسلامية:

الميزة في الأخلاق الإسلامية هي الوسطية. فالأخلاق الإسلامية تتعامل مع الإنسان الكل المركب من جسد وروح، ولا تطغى على أحدهما.

بالأخلاق الإسلامية ليست مثل الفلسفات الهندية القائلة بأن الجسد سجن للروح ويجب تحطيم الجسد لتتحرر الروح.

ولا مثل الفلسفات المادية القائلة بوجوب إشباع الرغبات المادية فقط دون اهتمام بالروح.

بل جاءت أخلاق الإسلام تدعو إلى الوسطية والتوازن بين رغبات الروح ورغبات الجسد دون طغيان على أي من الجوانب.  

وكما أن هناك طرفين هما الفردانية والاجتماعية، مثل أفكار أفلاطون للدولة المثالية الجماعية التي قضت فيها على أي مظهر من مظاهر إنسانية الفرد ليكون المجتمع الكلي الفاضل، ومثل الأفكار الفردانية التي تصل إلى تأليه الإنسان، فالإسلام يقف كوسط بين طرفين متطرفين، ويوازن بين الفرد والمجموع.  


الآن، وفي الختام، بعد عرض جميع الأطراف وتوضيح رأي كل طرف منهم، يمكن أن نلخص كل ذلك في البرهان الأخلاقي، وهو:  

⓵ إن كان الله موجودًا، فيُتوقع وجود خير وشر.  

⓶ ووجود أخلاق موضوعية ملزمة.  

⓷ وإن لم يكن موجودًا، فلا معيار لـ:  

     ❶ التمييز بين الخير والشر.  

     ❷ شيء يستحق الوصف بالخيرية.  

     ❸ معنى لمدح شيء بأنه خير أو شرير.  

     ❹ مصدر لوصف الشيء بأنه أخلاقي أو لا.  

     ❺ إلزام بالأخلاق، أو لوجود استثنائية إنسانية.  

⓸ فالأخلاق حينئذ ذوق شخصي غير ملزم للغير.  


وبشكل أوضح:  

⓵ إذا لم يكن الله موجودًا، فالقيم الموضوعية غير موجودة.  

⓶ القيم الموضوعية موجودة.  

⓷ إذن، الله موجود.


اقرأ أيضًا

✅الإلحاد والأخلاق: هل يمكن تبرير القيم في عالم مادي؟ رابط المقال.

✅الأخلاق بلا إله: كيف تتحول المذاهب المادية إلى فخاخ فلسفية؟ رابط المقال.

✅تفكيك الاعتراضات الإلحادية على الأخلاق الإسلامية: من يوثيفرو إلى المغالطات رابط المقال.

تعليقات