آثار محمد علي في مصر: رؤية نقدية بعيون الإمام محمد عبده

آثار محمد علي في مصر: رؤية نقدية بعيون الإمام محمد عبده

آثار محمد علي في مصر: رؤية نقدية بعيون الإمام محمد عبده

محمد علي في عيون الإمام محمد عبده: قراءة نقدية لإرث الحاكم

في 7 يونيو 1902، كتب الإمام محمد عبده مقالاً بعنوان "آثار محمد علي في مصر"، ينتقد فيه بشدة إرث محمد علي، الحاكم الذي يُنظر إليه كمؤسس مصر الحديثة.

اخترت مناقشة هذا المقال لما يحمله من رؤية نقدية فريدة لجوانب من حكم محمد علي، بعيدًا عن المديح الشائع.

من هو الإمام محمد عبده؟.

الإمام محمد عبده (1849-1905) هو مفكر مصري بارز وأحد رواد الإصلاح الإسلامي في العصر الحديث. شغل منصب مفتي الديار المصرية، وسعى إلى التوفيق بين الإسلام والحداثة، وكتب مقالات نقدية تناولت قضايا الحكم والمجتمع، منها مقاله الشهير عن آثار محمد علي في مصر.

ماذا يقول المقال؟.

يرى الإمام محمد عبده أن محمد علي لم يُسهم في إحياء مصر، بل أضعفها بسياساته القمعية. فقد قضى على الأحزاب القوية والبيوت الرفيعة، وجمع السلاح من الأهالي، مما أفقدهم شجاعتهم واستقلالهم. كما اعتمد على الأجانب الأوروبيين، مما جعل الأهالي غرباء في بلادهم، وآلات تحقيق أهداف الغير بدلا من كونهم أشخاص ذوي حياة وفكر وطموح. يقول الإمام: "لم يستطع أن يُحيي ولكن استطاع أن يُميت"، في إشارة إلى تدمير الحياة السياسية والاجتماعية في مصر.

لماذا يهم هذا النقد؟.

من وجهة نظري، يقدم الإمام محمد عبده رؤية جريئة تتحدى الرواية التقليدية عن محمد علي. بينما يُشاد بإنجازاته العسكرية والزراعية، يذكرنا عبده أن الحكم الحقيقي يُقاس بتأثيره على كرامة الشعب واستقلاله. هذا النقد يحمل دروسًا لعصور سابقة وعصور تالية. فهو كمعيار للحكم على الحكام.

نص مقال آثار محمد علي في مصر كامل، لعموم الفائدة:

"لغط الناس هذه الأيام في محمد علي، وماله من الآثار في مصر والأفضال على أهلها وأكثرت الجرائد من الخوض في ذلك والله أعلم ماذا بعث المادح على الإطراء وماذا حمل القادح على الهجاء.

غير أنه لم يبحث باحث في حالة مصر التي وجدها عليها محمد علي وما كانت ستصير إليه البلاد لو بقيت وما نشأ من محوها واستبدال غيرها على يد محمد علي، أقول الآن شيئًا في ذلك ينتفع به من عساه أن ينتفع، ويندفع به من الوهم ما ربما يندفع.

ما الذي صنعه محمد علي؟.

لم يستطع أن يُحيي ولكن استطاع أن يُميت، كان معظم قوة الجيش معه وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة، فأخذ يستعين بالجيش وبمن يستمليه من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه ثم يعود بقوة الجيش وبحزب آخر على من كان معه أولاً وأعانه على الخصم الزائل، فيمحقه وهكذا حتى إذا سحقت الأحزاب القوية، وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة، فلم يدع فيها رأسًا يستقر فيه ضمير "أنا"، واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلاً لجمع السلاح من الأهلين وتكرر ذلك منه مرارًا حتى فسد بأس الأهلين وزالت ملكة الشجاعة فيهم وأجهز على ما بقي في البلاد من حياة في أنفس بعض أفرادها فلم يبق في البلاد رأسًا يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه.

أخذ يرفع الأسافل، ويُعليهم في البلاد والقرى كأنه يحن إلى شبه فيه ورثه عن أصله الكريم. حتى انحط الكرام وساد اللئام ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة، فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال نفس، ليُصيّر البلاد المصرية جميعها إقطاعًا واحدًا له ولأولاده بعد إقطاعات كانت لأمراء عدة.

ماذا صنع بعد ذلك؟.

اشرأبت نفسه لأن يكون ملكًا غير تابع للسلطان العثماني، فجعل من العدة لذلك أن يستعين بالأجانب من الأوروبيين فأوسع لهم في المجاملة وزاد لهم في الامتياز حتى صار كل صعلوك منهم لا يملك قوت يومه ملكًا من الملوك في بلادنا، يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل، وصغرت نفوس الأهالي بين أيدي الأجانب بقوة الحاكم وتمتع الأجنبي بحقوق الوطني التي حُرم منها وانقلب الوطني غريبًا في داره غير مطمئن في قراره فاجتمع على سكان البلاد المصرية ذُلان، ذُل ضربته الحكومة الاستبدادية المطلقة وذُل سامهم الأجنبي إياه ليصل إلى ما يريده منهم، غير واقف عند حد أو مردود إلى شريعة.

لا يستحي بعض الأحداث من أن يقول: إن محمد علي جعل من جدران سلطانه بناءً من الدين، أي دين كان دعامة للسلطان محمد علي؟ دين التحصيل؟، دين الكرباج؟، دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده؟، وإلا فليقل لنا أحد من الناس، أي عمل من أعماله لصالح الناس.

لا أظن أن أحدًا يرتاب – بعد عرض تاريخ محمد علي – على بصيرته أن هذا الرجل كان تاجرًا زارعًا وجنديًا باسلاً ومستبدًا ماهرًا ولكنه كان لمصر قاهرًا ولحياتها الحقيقية مُعدمًا، وكل ما نراه الآن فيها مما يسمى حياة فهو من أثر غيره ـ متعنا الله بخيره وحمانا من شره والسلام.

استعان محمد علي بالأجانب من الأوروبيين فأوسع لهم من المجاملة وزاد في الامتياز، خارجًا عن حدود المعاهدات المنعقدة بينهم وبين الدولة العثمانية، حتى صار كل صعلوك منهم، لم يكن يملك قوت يومه، ملكًا من الملوك في بلادنا يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل، وصغرت نفوس الأهالي بين أيدي الأجانب بقوة الحاكم وتمتع الأجنبي بحقوق الوطني التي حرم منها وانقلب الوطني غريبًا في داره غير مطمئن في قراره فاجتمع على سكان البلاد المصرية ذلان: ١. ذل ضربته الحكومة الاستبدادية المطلقة.

٢. وذل سامه الأجنبي إياه إلى ما يريده منهم غير واقف عند حد أو مردود إلى شريعة.

نعم عني محمد علي بالطب؛ لأجل الجيش والكشف على المجني عليهم في بعض الأحيان عندما يراد إيقاع الظلم بمتهم!.

وعني بالهندسة لأجل الري حتى يدبر مياه النيل بعض التدبير ليستغل إقطاعه الكبير.

هل فكر يومًا في إصلاح اللغة: عربية أو تركية أو أرنؤودية؟. هل فكر في بناء التربية على قاعدة من الدين أو الأدب؟. هل خطر في باله أن يجعل للأهالي رأيًا في الحكومة في عاصمة البلاد أو أمهات الأقاليم؟. هل توجهت نفسه لوضع حكومة قانونية منظمة يقام بها الشرع ويستقر العدل؟. أين البيوت المصرية التي أقيمت في عهده على قواعد التربية الحسنة؟، أين البيوت المصرية التي كان لها القدم السابقة في إدارة حكومة أو سياستها أو سياسة جندها، مع كثرة ما كان في مصر من البيوت رفيعة العماد ثابتة الأوتاد؟.

أرسل جماعة من طلاب العلم إلى أوروبا ليتعلموا فيها فهل أطلق لهم الحرية أن يبثوا في البلاد ما استفادوا؟. كلا!. ولكنه اتخذهم آلات تصنع له ما يريد وليس لها إرادة فيما تصنع، وظهر بعض الأطباء الممتازين، وهم قليل، وظهر بعض المهندسين الماهرين، وهم ليسوا بكثير، والسبب في ذلك أن محمد علي ومن معه لم يكن فيهم طبيب ولا مهندس فاحتاجوا إلى بعض المصريين، وكان ذلك مما لا تخشى عاقبته على المستبدين!.

ترجمت كتب كثيرة في فنون شتى من التاريخ والفلسفة والأدب ولكن هذه الكتب أودعت في المخازن من يوم طبعت وأغلقت عليها الأبواب إلى أواخر عهد إسماعيل وهذا يدلنا على أنها ترجمت برغبة بعض الرؤساء من الأوروبيين الذين أرادوا نشر آدابهم في البلاد.

هل كانت له مدرسة لتعليم الفنون الحربية؟ أين هي؟ هل علّم المصريين حب التجنيد؟ لا! بل علمهم الهرب منها بعد أن كانوا ينتظمون في أحزاب الأمراء ويحاربون لا يبالون بالموت أيام حكم المماليك.

ليقل لنا أنصار الاستبداد كم كان في الجيش من المصريين الذين بلغوا في رتب الجندية إلى رتبة البكباشي على الأقل؟ فما أثر ذلك في حياة المصريين؟ أثر كله شر في شر.

ظهر ذلك حينما جاء الإنجليز لإخماد ثورة عرابي، دخل الإنجليز مصر بأسهل ما يدخل دامر على قوم، ثم استقروا ولم توجد في البلاد قوة تثبت لهم أن في البلاد من يحامي عن استقلالها، وهو ضد ما رأيناه عند دخول الفرنسيين إلى مصر وبهذا رأينا الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير. أي دين كان دعامة لسلطان محمد علي؟ دين تحصيل الضرائب بالقوة والظلم؟ دين الكرباج؟ دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده؟. فليقل لنا أحد من الناس أي عمل من أعماله أفاد الناس؟.

الخلاصة: كان محمد علي مستبدًا ماهرًا، لمصر قاهرًا، ولحياتها الحقيقية مُعدمًا، وكل ما نراه فيها مما يسمى حياة فهو من أثر غيره!".


مختصر مقال آثار محمد علي في مصر للإمام محمد عبده وشرحه:

في مقاله "آثار محمد علي في مصر" المنشور عام 1902، يقدم الإمام محمد عبده تقييمًا نقديًا لإرث محمد علي، الحاكم الذي يُنظر إليه غالبًا كمؤسس مصر الحديثة. يرى عبده أن محمد علي، بدلاً من إحياء البلاد، أضعفها بسياساته القمعية. فقد قضى على الأحزاب القوية والبيوت الرفيعة، وجرد الأهالي من أسلحتهم، مما أفقدهم شجاعتهم واستقلالهم. كما اعتمد بشدة على الأجانب الأوروبيين، مما جعل المصريين غرباء في وطنهم. ينتقد عبده غياب إصلاحات تربوية أو قانونية حقيقية، معتبرًا أن محمد علي حول مصر إلى إقطاعية لخدمة مصالحه الشخصية. من خلال هذا المقال، يدعو عبده إلى إعادة تقييم الحكام بناءً على عدالتهم وتأثيرهم على شعوبهم، وليس على قوتهم العسكرية أو إنجازاتهم الظاهرية.


يظل مقال الإمام محمد عبده دعوة للتفكير النقدي في إرث الحكام. بينما يُمجد البعض محمد علي كمؤسس مصر الحديثة، يذكرنا الإمام أن الحكم الحقيقي يُقاس بعدالته وتأثيره على الشعب. فما رأيكم: هل كان محمد علي قاهرًا كما وصفه عبده، أم له إنجازات تستحق التقدير؟.


اقرأ أيضًا

التدين السوسيولوجي: من التوازن الأخلاقي إلى القشور الشكلانية رابط المقال.



تعليقات