الاتصال الصوفي: بين وحدة الوجود وتجلي واجب الوجود

الاتصال الصوفي: بين وحدة الوجود وتجلي واجب الوجود

 

الاتصال الصوفي: بين وحدة الوجود وتجلي واجب الوجود

الاتصال الصوفي بين وحدة الوجود وتجلي واجب الوجود


المقدمة

التحلي، التخلي، التجلي، بهذه الكلمات الثلاث المجردة يمكننا عرض جوهر أو ماهية التصوف، التصوف الذي في أصله وعلى حقيقته ما هو إلا تحلي بكل خلق سني وتخلي عن كل خلق دني حتي يحصل تجلي العلي العظيم على قلب المتصوف، ولكن هذا التصور ليس في اذهان الكل لكن تعرض لشوائب كثيرة ترجع للفهم المغلوط لماهية التصوف وحقيقته، فنجد أن البعض يتهم المتصوفة بالشرك أو حتي بالكفر نتيجة الخطأ في فهم مصطلحاتهم، وذلك راجع إلي عدم النظر إلي التصوف على إنه علم له مصطلحاته الخاصة، وإنما يُنظر له على أنه حركة دينية أو مذهب من المذاهب الإسلامية؛ سنية كانت أو شيعية أو أين كانت. ولما كان أصل التصوف ولب موضوعه ومدار عمل المتصوفة هو حدوث التجلي أو الاتصال بالخالق فاخترنا هذا الموضوع  -موضوع- "الاتصال الصوفي بين وحدة الوجود وتجلي واجب الوجود" لمحاولة عرض ماهية التصوف الحقيقي عن طريق معالجة موضوع التصوف الرئيس وهو الاتصال.

لذلك وعلى إيجاز هذه الورقة البحثية فسوف تتعرض لموضوعات رئيسية مثل تعريف التصوف والاتصال وماهية كل منهما، والفرق بين الاتصال الصوفي وبين مذاهب وحدة والوجود أو الحلول والاتحاد، ومن هو المتصوف في الأصل وما هي درجات الاتصال الصوفي، وأما النقاط الفرعية فتتمثل في عرض موجز لأسباب الخلط بين الاتصال الصوفي وتلك المذاهب الأخرى.

وفي طريقنا لمعالجة هذه القضية سوف نعمد إلى استخدام المنهج الوصفي والمنهج التاريخي، أما المنهج الوصفي فيعمد إليه الباحث في حال وصف الظواهر الصوفية، والمنهج التاريخي من أجل الاستعانة بتاريخ التصوف، فيشمل البحث الماضي والحاضر.

الفصل الأول

المبحث الأول: ماهية التصوف والمتصوف.

قبل الدخول إلى ماهية الاتصال الصوفي والفرق بينه وبين المذاهب الحلولية نري وجوب التعرض للأصل الذي ينتمي إليه الاتصال وهو التصوف ذاته فنقول في ذلك أنه لا يوجد تعريف وأحد جامع مانع لماهية التصوف، سواء بين الصوفية أنفسهم أو بين من درسوا التصوف، وقد يكون سبب ذلك أن التصوف حاله وجدانية وتجربة شخصية يمر كل فرد بها بشكل مختلف، فقد ترتبط بعمل بدني وقلبي مثل الصلاة مثلًا أو ترتبط بعمل لساني وقلبي مثل الذكر، أو بعمل قلبي محض مثل إصلاح ما بينك وبين ربك بالتوبة القلبية؛ لكن الملاحظ من كل تلك الحالات هو وجود القلب بشكل أساسي وثابت في كل الحالات والمتغير فيها هو ما يصاحب القلب من عمل وهذا قد يكون ما قصده أبو القاسم الجنيد بقوله: "هو أن يميتـك الحـق عنك ويحييك به" فيكون المقصد أن تملأ قلبك حبًا لله وبالله حتي تنشغل بالله عن خلقه، فلا يضرك وقتها من آمن أو كفر، من أغتني أو افتقر، من عابك أو مدحك؛ يصير كلهم واحد وسواء؛ ونجد الأصل القرآني لهذا الرأي في سورة "المائدة" في الآية "١٠٥" يقول عز وجل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" ونجد تفسيرها في تفسير ابن كثير يقول: "يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، ومخبرا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس، سواء كان قريبا منه أو بعيدا." 

 ومن ثم تحيا بالله ولله فقط، أو كما قال عمرو بن عثمان المكي عندما سئل عن التصوف فقال: "أن يكـون العبـد في كـل وقـت بمـا هـو أولى بـه في الوقت" وذلك نجد أصله القرآني في سورة القلم آية "4" في قوله عز وجل: " وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" وفي تفسير الطبري نجد المعني في قوله: " يقول تعالى ذكر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه." وهذه هي أعظم الدرجات في الدين وهي الإحسان فأنت صرت لا تري ولا تسمع ولا تقول ولا تفعل إلا بالله ولله وحده حتي تصير كأنك تجلي للقرآن الكريم في هيئة بشر، أو كما قالت أمنا عائشة في وصف رسول الله ﷺ بقولها في الحديث الطويل: "كَانَ خُلُقُ نَبِيِّ اللَّه ﷺ الْقُرْآنَ" وهذا هو مقصد عمرو بن عثمان فأنت تراعي الله في كل حالك وتعبده كأنك تراه، ولا يقتصر الأمر على العبادات المشروعة من صلاة وصيام وقراءة قرآن وإلى أخره، بل تجعل كل وقتك وكل حالك لله وحده. 

ولا يعني ذلك القول إن الصوفي يضع نفسه في منزلة الأنبياء والرسل في إيمانهم وصلاحهم وفي مرتبة إحسانهم، إنما هو طريق طويل قطعوه هم صلوات الله عليهم أجمعين، وما الصوفية إلا سير على هذا الطريق ومحاذه أو إن صح التعبير تقليدًا لهم، ولكن ذلك التقليد ليس ظاهريًا فقط مثل بعض الفرق التي ما أخذت من الرسول سوي اللحية والجلباب، وإنما هو تقليد داخلي وخارجي ومحاولة الوصول إلى ما وصل إليه الرسول من منزلة الكشوفات والعلم والطمأنينة بالله.

والسير في ذلك الطريق لا يتم إلا عن طريق خطوتان اثنان، الأولي هي التخلي؛ فتتخلي عن كل خلق دني سيء، والتحلي؛ بكل خلق سني من محاسن الأخلاق، وبقدر إخلاصك وسيرك يكون التجلي.

لكن السؤال الأن هل يعني كل ما سبق ذكره أن التصوف كله صعود من أسفل إلى أعلي حتي يحدث التجلي؟، وللرد علي هذا السؤال نجده في محاضرة للشيخ محمد متولي الشعراوي يقول فيها -رحمه الله- موضحًا من هو الصوفي، يقول: من الناس من يصل بطاعة الله إلى كرامة الله، يطرق الباب فيفتح له، وهناك أناس يصلون بكرامة الله أولًا  إلى طاعة الله ثانيًا، ومثل ذلك ولله المثل الأعلى أنك بشر هناك من يطرق بابك ويطلب فيأخذ وهناك من تهاديه دون طلب سؤال." وعلي هذا يتضح من قوله -رحمه الله- أن فيوض الله وفتوحه على خلقه إما نتاج اجتهاد أو اختيار، فأنت تجتهد وتجاهد في سيرك إلى طريق الله فيفيض عليك كرمه وكرامته كما وعد عز وجل في الحديث القدسي الذي معناه من تقرب إلى زدت تقربًا له ومن مشي لي في طريق خطوة سرت له أضعافها، ويكمل -رحمه الله- الإمام الشعراوي فيقول: "فلما يحدث القرب، يصير العبد قريبًا من ربه فتهبه المعية الفيوضات الإلهية" وهذا تعريف التصوف عند الإمام تقرب وتقارب بين العبد وربه إما عن طريق عملك وعبادتك وصلاحك الداخلي أو عن طريق ما يهبه الرب لعباده المصطفين.

ويكمل الإمام شرحه للتصوف والمتصوف فيقول: " والحق سبحانه إذا أحببته وإذا تقربت تقرب أكثر، وهذه هي المصافاة، وعليه فمن هو الصوفي؟؛ 'الـ' هنا أسم موصول مثل قول 'جاء المكرم أخاه' بمعني جاء الذي أكرم أخاه، فـ'الـ' هنا أسم موصول وليس 'الـ' تعريف فيكون الصوفي بمعني 'الذي صوفي' بمعني أنه صافي الله فصافاه الله فصار صوفيًا."

ومن ذلك نستنتج مرة أخري أن التصوف مرهون بالصفاء القلبي، وأن كل ما يصاحب حال الصوفي من مراتب الاتصال بالله ما هي إلا عوارض ظاهرية والجوهر الحقيقي في قلب الصوفي نفسه الذي لا يطلع عليه غير ربه.

ولا يعني قولنا هذا هو إباحة وتمرير بعض الأخطاء بحجه أنها عوارض لحال الصوفي مع ربه، فليس المحب لله إلا طائعًا له ملتزمًا بأوامره منتهي عن ما نهي عنه.

وأما عن الحالات والمراتب التي يمر بها الصوفي فهي تبدأ بالتوبة قبل كل شيء ثم يمر بمراحل في طريقة للفيوض الإلهية تقسمها الأميرة سارة بنت عبدالحسن:

"الصوفي الذي استطاع قطع مراحل الطريق وتمكن من تجاوز عقبـاته بعـد أن صفى الحب قلبه، وصهر الشوق مشاعره، وهذب الخوف جوانبه الروحية والمادية.

تبدأ تباشير فجر الوصول إلى مدائن القرب بالظهور في أفق حياته. وتتساقط أستـار الحجب عن قلبـه واحداً تلو الآخر، فيأنس قلبـه بذكر الله ، وتستلذ روحه بقـربـه وتتضاعف لواعج النفس المؤتنسة بالله بعد تذوق شراب القرب والمحبة، فيغيب الواصل عن عالمه ودنياه، بل عن نفسه بلحظات سكر قد تطول وتمتد.

وبعد السكر يترقى الواصل الذي شاهد بقلبه وعاين وعلم وعرف، وارتفع إلى عالم غير العالم ووجود تلاشت فيه أبعاد المكان والزمان ليعيش لحظات الفنـاء الحقيقي الكامل فيكون من الله وفي الله وبالله وإلى الله."

المبحث الثاني: تعريف وحدة الوجود والحلول.

اولًا نود الإشارة إلى أن هذه المذاهب هي مذاهب سابقة علي الإسلام مثل البوذية وغيرها التي تري أن الله حال داخل مخلوقاته فذلك الحجر وتلك الشجرة وهذا الإنسان ما هو إلا عين الله، ومنها من يري أن الله مفارق لكن بطرق معينه يمكن أن نصل إلى درجة الاتحاد معه -وليس الاتصال به- حتي يصير المفارق وغير المفارق واحد.

وفي ذلك نقول في تعريف الحلول: " الحلول معناه في الاصطلاح العام أن يحل أحد الشيئين في الآخر." ويقول في ذلك الجرجاني رحمه الله: "الحلول عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، فيُسمَّى الساري حالاًّ، والمسري فيه محلاًّ."

وذلك مثل البوذية والوصول إلى النرفانا والخلاص من عجلة الميلاد عن طريق الاتحاد التام بالإله كما حدث لسيدهارتا غوتاما عندما أعتزل العالم لسنين حتي توصل إلى الكشوفات وأتحد بالإله فحدث الخلاص من عجلة الميلاد دون ترقي في المراتب في الحيوات الأخرى. 

وأما في تعريف الاتحاد فنقول: " معناه كون الشيئين شيئاً واحداً" وفي ذلك يقول الجرجاني: " الاتحاد امتزاج الشيئين، واختلاطهما حتى يصيرا شيئاً واحداً."

وذلك مثل ما في بعض العقائد الأسيوية التي تري أن الكون هو ذات الإله والإشارة لهذه تعني ذلك فالاثنان واحد. 


الفصل الثاني

المبحث الأول: الفرق بين الاتصال الصوفي ووحدة الوجود

بعد ما تم تقديمة في الفصل الأول من هذه الورقة البحثية، وتعريف ماهية التصوف ومن هو المتصوف وما هي مراحل اتصاله بالله، ثم عرض تعريف الاتحاد أو وحدة الوجود والحلول، فأعتقد أن الأمر أصبح جليًا أمام العقل في مدي الفرق بين الاتصال الصوفي الذي في تعريفه هو "تعبير عن صلة العبد بربه" وذلك لا يحتاج كثير بيان أو توضيح لأن المسلم حياته كلها لله وبالله وفي الله فحياته كلها اتصال بالله وما التفاوت بيننا إلا تفاوت في مقدار ذلك الاتصال الذي هو ليس انقطاع عن الحياة بل هو تخلي القلب من كل ما خلت منه اليد وترك تعلق القلب بالمادي الفاني وتعقله بالباقي الأزلي، يقول دكتور سيد حافظ -استاذ الفكر العربي والتصوف المساعد بقسم الفلسفة- في ذلك: "ومن هنا يأتي التصوف محاولة من الإنسان للتحلي بقيم روحية جديدة تعينه على مواجهة الحياة المادية، وتحقق له التوازن النفسي، وبذلك يصبح التصوف ايجابياً يربط بين حياة الإنسان ومجتمعه. وهذا المعنى يتحقق فيما يرى (السهروردي) صاحب عوارف

المعارف: نسخة بهامش كتاب الأحياء، ج4، ص: ٤٨٤-٤٨٥، بقوله: "ينبغي للمريد أن تكون له في كل شيء نية الله تعالى حتى في أكله وشربه وملبوسه فلا يلبس إلا الله ولا يأكل إلا الله ولا يشرب إلا الله ولا ينام إلا الله ....فالمريد ينبغي أن يتفقد جميع أحواله وأعماله وأقواله ولا يسامح نفسه أن تتحرك بحركة أو تتكلم بكلمة إلا لله تعالى".

ومن ما سبق يتضح بشكل قاطع الفرق بين الاتصال الصوفي وبين ما تم إلحاقه به من تعريفات وتأويلات لا علاقة لها بالصوفية نتيجة قلة علم بالصوفية كعلم، وقله وعي بالواقع الفعلي الذي نري فيه اختلافات عظيمة بين التصوف الحقيقي وبين ما تم إلصاقه به بقصد لتشويه التصوف أو بدون قصد سواء كان ذلك من المتصوفة أنفسهم أو ممن درسوا التصوف بشكل نظري فأختلط عليهم الأمر.

ومن هذه النقطة يمكن أن نفرق بين الصوفي العارف المتصل بربه الذي لا يتكلم ولا يفعل إلا بالله ولله وفي الله، فهو في معية الله، مثل ما كان الرسول خلقه القرآن، وقرآن يمشي علي الأرض فهم يتبارون للوصول إلى تلك المرتبة، ودبين المتصوف وهو طالب ذلك الطريق الذي يقتفي أثر شيخة ليصل فيمكن أن يقع في خطأ ما دون قصد، وبين المستصوف الذي لا نصيب له من التصوف إلا ادعاء اتباعه لنيل نصيب ما من الدنيا.

فليس كل تشويه للتصوف من خارجه بل يمكن أن يكون من داخله أيضًا وذلك لأننا بشر، ولكن هذه الأخطاء يتم نقدها من قبل الصوفية أنفسهم في مجالسهم وكتبهم. 


المبحث الثاني: أسباب الخلط بين الاتصال الصوفي والاتحاد.

يمكن أن يعود الخلط بين الاتصال الصوفي وما دونه من فلسفات وطرق من فلسفات أو ديانات أخري إلى المستصوفة أنفسهم كما سبق الذكر في المبحث الأول من هذا الفصل، فهؤلاء لا علاقة لهم بالتصوف بل هم طلاب الدنيا يريدونها ويستغلون التصوف لطلبها لذلك قد يقولون كلامًا مقتبسًا من فلسفات أو ديانات أخري لإثاره إعجاب السامعين -بالكذب- فيحمل ذلك علي التصوف نفسه وهو مته براء.

وقد يرجع الخلط إلى أمر أخر وهو كتابات الصوفيين أنفسهم، فكما سبقت الإشارة أن التصوف علم، ومعروف أن لكل علم مصطلحاته الخاصة التي يعبر بها عن مجموع المعارف التي فيه، وإذا أستعمل مصطلح ما من علم في علم أخر بنفس المعني يحدث الخطأ والخلط، والتصوف علم له مصطلحاته الخاصة فمثلًا كلمة الموت في التصوف لا تعني المعني الرائج بمفارقة الروح للجسد بل تعني عدم الرغبة في الدنيا والزهد في المادي وترك إرادة النفس لتدبير الله، وغيرها الكثير من الأمثلة، فربما نتج عن تشابه المصطلحات نحويًا أو لغويًا تشابه المعني الاصطلاحي.

وربما يرجع الخلط أيضًا إلى استخدام الرمز الصوفي، فبعض الصوفية يرون ألا يصرحوا بفتوحات الله عليهم صراحة حتي لا يفسدون علي الناس دينهم أو دنيتهم نتيجة قصر عقلهم فيستخدمون الرمز، وكلًا حسب فهمه للرمز ينقد أو يوافق.


الاستنتاجات والتوصيات:

أولًا: النتائج  

١. أصالة التصوف الإسلامي:  

أكدت الدراسة أن الاتصال الصوفي في التصوف الإسلامي يختلف جوهريًا عن مفاهيم الحلول أو الاتحاد في الفلسفات الأخرى، فهو قائم على القرب من الله دون ذوبان أو اندماج.  

٢. مصادر التصوف:  

تبين أن التصوف الأصيل يستمد أصوله من القرآن والسنة، ويهدف إلى تزكية النفس وتحقيق الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه).  

٣. أسباب الخلط بين المفاهيم:

وُجد أن الخلط بين الاتصال الصوفي ووحدة الوجود يعود إلى:  

     - تشابه المصطلحات.  

     - سوء فهم الرموز الصوفية.  

     - انحراف بعض المنتسبين زورًا إلى التصوف.  

٤. التمييز بين المتصوف الحقيقي والمستصوف:  

   - ليس كل من ادعى التصوف يُعتبر صوفيًا، بل هناك فرق بين:  

     - العارف (الذي يسير على منهج القرآن والسنة).  

     - المستصوف (الذي يستغل التصوف لأغراض دنيوية). 


     ثانيًا: التوصيات  

١. للدارسين والباحثين:  

   - تعميق الدراسة المصطلحية لفهم الفروق بين المفاهيم الصوفية والمذاهب الفلسفية المشابهة.  

   - الاعتماد على المصادر الأصيلة (مثل كتب الجنيد، القشيري، الغزالي) بدلًا من الكتابات الحديثة غير الموثوقة.  

٢. للمتصوفة والمشايخ:  

   - توضيح المصطلحات الصوفية للعامة بلغة بسيطة لتجنب سوء الفهم.  

   - نقد الانحرافات الداخلية في التصوف، وعدم التهاون مع من يحرفون المفاهيم.  

٣. للمؤسسات التعليمية:  

   - إدراج مقررات عن التصوف الأصيل في الجامعات الإسلامية لتصحيح المفاهيم.  

   - تنظيم ندوات علمية تشرح الفرق بين التصوف الإسلامي والفلسفات الوافدة.  

٤. لعامة المسلمين:  

   - عدم التسرع في الحكم على التصوف قبل فهمه من مصادره الصحيحة.  

   - التمييز بين التصوف الشرعي (الزهد، الإحسان) وبين الممارسات المنحرفة.  

    خاتمة التوصيات  

"التصوف الحق هو تحقيق معنى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فلا حلول ولا اتحاد، بل عبادةٌ وقربٌ وصفاء."


الخاتمة

في نهاية بحثنا هذا، نكون قد سلَّطنا الضوء على جوهر الاتصال الصوفي وعلاقته بمفهوم وحدة الوجود، محاولين تفنيد الفروق الجوهرية بين التصوف الإسلامي الأصيل وبين الفلسفات الحلولية أو الوحدانية التي قد يُلتبس بها. لقد أكدت الدراسة أن التصوف الحقيقي يقوم على تزكية النفس وصفاء القلب، وليس على اندماجٍ وجودي أو اتحادٍ مع الذات الإلهية، بل هو اتصال روحي يعبّر عن القرب من الله دون حلول أو ذوبان.  

كما أوضحنا أن أسباب الخلط بين هذه المفاهيم تعود إلى سوء الفهم التاريخي، أو تشابُه المصطلحات، أو حتى الانحرافات الفكرية لبعض المنتسبين زورًا إلى التصوف. ومن هنا، تبرز أهمية الرجوع إلى المصادر الأصيلة للتصوف الإسلامي، والتمييز بينه وبين التأثيرات الدخيلة.  

ختامًا، فإن هذه الورقة البحثية وعلى صغرها تُعدُّ محاولة لفهم أعمق لـعلم التصوف ومصطلحاته، ودعوةً إلى التنقيب الجاد في تراثه بعيدًا عن الأفكار المُسبقة. ولا زال المجال مفتوحًا لمزيد من الدراسات التي تُعمِّق هذه المقارنات، وتكشف عن الكنوز الروحية التي يختزنها الفكر الصوفي في إطاره الإسلامي الخالص.  

 كلمة أخيرة:

"التصوف ليس نظرياتٍ تُدرس، بل حالٌ يُعاش، وطريقٌ يُسلك، وقلبٌ يتوجّه إلى ربّه بصدق."


المصادر:

  • القرآن الكريم. 
  •  تفسير ابن كثير. 
  • تفسير الطبري. 
  • دكتور سيد حافظ، دراسات في التصوف العملي، جامعة بني سويف، 2016م.
  • الأميرة/ سارة بنت عبدالحسن آل سعود، نظرية الاتصال عند الصوفية في ضوء الإسلام، جدة-السعودية، دار المنارة، 1991م.
  • الشيخ محمد متولي الشعراوي، من هو الصوفي؟، محاضرة مرئية مسجلة
  • ماذا يعني مصطلح "الحلول والاتحاد"، موقع الإسلام سؤال وجواب. 



تعليقات