تهافت المعجزة الغربية: تفنيد الأسطورة اليونانية في نشأة الفلسفة

تهافت المعجزة الغربية: تفنيد الأسطورة اليونانية في نشأة الفلسفة

   

تهافت المعجزة الغربية: تفنيد الأسطورة اليونانية في نشأة الفلسفة


تهافت المعجزة الغربية: تفنيد الأسطورة اليونانية في نشأة الفلسفة

تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي:

هل تعتبر الفلسفة إختراع يوناني؟. يدّعي الغرب في توثيقه للفلسفة، وكذلك بعض المتبعين من الشرق، أن الفلسفة هي ظاهرة غربية بدأت مع طاليس في القرن السادس قبل الميلاد.
ويعتبرون أن ما سبق طاليس -بما فيهم الحضارة المصرية القديمة- لا يتعدى كونه مواعظ أخلاقية وعقائد دينية لا ترتقي إلى مستوى التفكير الفلسفي الغربي، فهي تفتقر إلى منهج عقلاني.
لذلك أردنا القيام بدراسة تحليلية مبسطة لإثبات الأصل الشرقي للفلسفة على وجه العموم. وأصل الفلسفة المصري على وجه الخصوص.
إذا قمنا بتحليل الأسس التي ترتكز عليها ما يُعرف بـ "المعجزة الغربية"، سنكتشف أنها تستند إلى أربعة عناصر رئيسية:

  1. الأول هو الأصل الاصطلاحي لكلمة فيلسوف -فيلو سوفيا-.
  2. الثاني يتعلق بالموضوعات الفلسفية نفسها.
  3. الثالث هو الفرق بين الفلسفة والفكر.
  4. الرابع والأخير هو أن حضارات الشرق تتميز بالعملية دون التركيز على الجانب العقلاني.

فإن أردنا أن نحلل كل نقطة من تلك النقاط الأربعة لنرى مدى ثباتها إذا ما عرضناها لمعول الشك -وسوف أبدأ من النقطة الأخيرة إلى الأولي ليس لشيء إِلَّا لحَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ-،فإننا نقول:

 الأركان الأربعة لأسطورة المعجزة الغربية:

  • الأهرام كنموذج فلسفي.

يدعي مؤرخو الغرب ومن تبعهم من الشرق أن الحضارات الشرقية لم تكن حضارات فكر وفلسفة وعقل، بل حضارات عملية. فإن الرد عليهم يكون وهل العمل إلا نتاج النظر العقلي؟.

كل منا لديه تصوره الكلي عن الحياة، سواء كان دينًا أو فلسفة خاصة أو أيا كان، لكن هذا التصور وهذه الرؤية الكونية هي تكون مثل النظارة التي يرى بها الشخص العالم الخارجي، ويتفاعل معه بناء على ما يراه من خلالها، ويستقبل من العالم بقدر ما تتيح له تلك النظارة.

وبناء على ذلك فإن ذلك الشخص الذي عمد إلى بناء ذلك الهرم الضخم لم يكن من فراغ، بل كان نتاجاً لرؤية دينية وفلسفية يمتلكها.

وليتمكن من بناء ذلك الهرم لا بد أنه درس الهندسة، بل ونرى براعة في علم الفلك أيضًا، فتلك الأهرام والصروح لم تختر أماكنها بشكل عشوائي بل نرى سنويًا الشمس تتعامد على تمثال الملك مرتين في العام، مرة في عيد ميلاده والأخرى في عيد زواجه، كما نرى تلك الأهرامات مواقعها يتناسق مع الأفلاك السماوية، وليس الأهرامات فقط، بل أقبل على علم التشريح وعلم التحنيط وغيرها من العلوم العملية التي هي نتاج لنظرة فلسفية عقلية دينية فسر العالم من خلالها، فتفاعل مع العالم انطلاقًا من فهمه هذا، وإلا لكان فعله عبثًا لا ينتج شيئا، وهذا ما ينفيه الواقع.

وإن غضضنا الطرف عن كل ما سبق فلنقل أن حضارتهم عملية فالآن الفلسفة تتجه إلى كونها تطبيقية أي تعمل على تطبيق مبادئ الفلسفة في باقي العلوم والأنشطة الإنسانية، وليس فقط التنظير فهل هذه ليست فلسفة لمجرد اقترانها بالعمل؟؛ فإن كانت الإجابة "لا" فلماذا تقول على حضاراتي أنها ليست فلسفية؟، وإن كانت الإجابة "نعم" فأنت الآن لا تتفلسف من منظورك!.

  • الخلط بين الفلسفة والفكر.

النقطة الثانية من أعمدة بناء "المعجزة الغربية" التي هي بناء هش، هي عدم التفريق بين الفلسفة والفكر؛ فالفلسفة نشاط إنساني خارج حدود الزمان والمكان، وليست قاصرة على الواقع الحاضر.

فأنا أتفلسف حول موضوعات مثل الوجود وأصل العالم وتصور الكون أو أقدم تصورات كلية لما ينبغي أن يكون عليه الحكم مثلًا.

أما الفكر فهو محدود بإطار الزمان والمكان فأنا مثلًا أقدم تصور للقيم الأخلاقية المناسبة لمصر الآن فهنا قد وُضع إطار المكان بحدود مصر وإطار الزمان بكونه الوقت الحالي.

وعلى ما سبق نطرح سؤالًا "هل قدمت الحضارات الشرقية فلسفة أم فكر؟." أي "هل قدمت حضارات الشرق تصورات كلية عامة أم كانوا يحلون مشاكل ترتبط بإطار الزمان والمكان؟.".

نكتفي بمثالين للإجابة عن ما سبق:

أولهم: هو أننا نجد الحكيم ايبور يقدم رؤية فلسفية تحليلية للواقع، فيقول إن المشكلات العارضة للمجتمعات هي الفقر والضعف والحل يكمن في الملك الفيلسوف الذي سوف يخضع القوة للعقل ليتفادى هذه المشكلات، ويصل بالمجتمع لما ينبغي أن يكون عليه من استقرار وأمن وتقدم.

أليس هذا ما يمكن اعتباره نقطة البداية لما عرضه أفلاطون عن الحاكم الفيلسوف الذي يخضع القوة للعقل أيضًا لتكون اليوتوبيا؟.

وثانيهما: هو بتاح حتب عندما تحدث عن ماعت كأصل للدولة والأخلاق فهي مثال كلي، وليست لمصر القديمة فقط.

  • الموضوعات الفلسفية المزعومة والاستلال الفكري.

أما المحور الثالث فهو ادعاء أن الفكر اليوناني هو من خلق تلك الموضوعات التي بحثها اليونانيين من العدم. لكن ذلك غير صحيح، ولكن أفضل أن أبدأ باقتباس لجون ويلسون يقول فيه:

 "لا توجد حضارة معجزة غير المصرية حيث أنشأت نفسها بنفسها على غير مثال سابق."

وهناك اقتباس آخر لدكتور هنري توماس في كتابه أعلام الفلاسفة كيف نفهمهم يقول فيه:

"إننا لا يمكن أن نفهم أعلام الفلاسفة الغربية قديمهم وحديثهم إلا إذا اطلعنا على الفكر الشرقي القديم.".
وعلى ما سبق؛ فإننا بقراءة متأنية في موضوعات الفلسفة اليونانية من طاليس إلى أفلاطون، يمكننا أنهم ليسوا مبدعين سواء للأفكار أو الموضوعات بل مقتبسين.

فنحن نجد في البرديات المصرية مثل ما نسب لأشخاص بعينهم أمثال بتاح حتب وايبور أو ما نسب بشكل عام لفلاسفة منف والأشمونين وهليوبوليس وهي مدارس فلسفية قدمت تفسيرات متقدمة للعالم الطبيعي يبدأ من التفسير المادي إلى الوصول إلى "كن، فيكون" فالإله بتاح ليس محتاجًا لعناصر قديمة معه في الوجود يخلق بها، بل هو يفكر في الشيء، ثم ينطق به فيكون واقعًا.

كذا الموضوعات السياسة والأخلاقية وما بعد الموت، فهي كانت مطروحة، وقد سبق وطرحنا مثالين على ذلك.

أما مسألة التفسير الفلسفي فالفكر الشرقي يحب الإيجاز، ولا يفضل التعمق في الجزئيات، لكن لا يعني ذلك غياب النقد العقلي لمن سبقهم، فالمدارس الفكرية في تفسير الوجود كانت تقوم على نقد ما سبقها فمثلًا فلاسفة منف لم يقولوا بفكرة "كن" إلا بعد نقد المادية لأشمون.
بالإضافة إلى أن أفلاطون قد زار مصر، وتعلم فيها حتى إنه في محاورة القوانين يقول لليونانيين أن يتعلموا من مصر الفنون والتربية وقيمة الدولة وغيرها. فأفلاطون لا ينفي صلة بالفلسفة المصرية القديمة. وكذلك أفلاطون لا ينفي تأثره بالفلسفة المصرية القديمة.
ومن ذلك يتضح أن الأفكار كانت مطروحة، وليست خلقاً يونانياً من العدم. وإن قيل إن الفلسفة قرينة الفيلسوف لقلنا أن الآثار كشفت عن أسماء معينة مثل بتاح حتب الذي اعتبر هنري برستد بردياته الأربعين هي فجر الضمير الأخلاقي.

  • أصل كلمة "فيلوسوفيا".

والآن نعرض إلى آخر عمود من أعمدة المعجزة الغربية وهي المصطلح.

حيث يتم الإدعاء أن "فيلو سوفيا" لم تُصَاغ قبل اليونانيين، لكن دكتور مصطفى النشار يقول في إحدى محاضراته المسجلة:

"بعد قرأتي المتعمقة في أفلاطون في محاورة كراتيليوس وهي محاورة في أصل الكلمات، ويمكن اعتبارها أول بحث فلسفي في فلسفة اللغة، وهي تبحث في أصل الكلمات اليونانية يقول فيها نصًا إن لفظ الفلسفة لفظة أجنبية غير محلية" 

فمن أين آتي اللفظ إذا؟. يكمل الدكتور حديثه، فيقول:

"إن مصدر كلمة الفلسفة مصري فأصل الكلمة هو 'آسيوي' التي تعني يعلم الحكمة. ومن المعروف أن فيثاغورس أول من صاغ لفظ فيلو سوفيا بعد عودته من مصر للتعبير عن نفسه كمحب للحكمة وليس حكيماً لأن في مصر الحكيم هو الإله نفسه، وقد كان فيثاغورس متأثرًا بما درسه في مصر."

وحتى إن غضضنا الطرف عن كل ما ذكره الدكتور مصطفى النشار، فمن البديهي أن يكون لكل علم أصول سابقة على الصياغة اللفظية فمثلًا لفظ Science ألم يكن هناك علم قبل صياغة اللفظ الإنجليزي؟.

إعادة كتابة تاريخ الفلسفة بشكل شامل.

وغاية النقد هذا هو أن نضع نتاجنا الفكري في قالب الفلسفة العام، وليس كما يحدث أن نضع فكرنا على استحياء في جانب نسميه الفكر العربي، دون أن نعتبره بحثًا فلسفيًا خالصاً.
وفهي النهاية أختم حديثي بأن أقول لم يكن من الممكن ألا يوجد فكر فلسفي لدى البشر حتى يأتي اليونانيون؛ لذلك وجب  البحث والكشف عن التأثيرات الشرقية على الفكر اليوناني.

وعلى ما سبق من تعريض صرح "المعجزة الغربية" وضرب في أعمدتها الأربع الرئيسية بمعول الشك يتضح لنا إن الفلسفة لفظ وموضوع وتطبيقًا هي شرقية وليست يونانية.


تعليقات